سورة يوسف - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


قال السدي وغيره: سبب مجيئهم أن الجماعة التي أنذر بها يوسف أصابت البلاد التي كان بها يعقوب، وروي أنه كان في الغربات من أرض فلسطين بغور الشام. وقيل: كان بالأولاج من ناحية الشعب، وكان صاحب بادية له إبل وشاء، فأصابهم الجوع، وكان أهل مصر قد استعدوا وادخروا من السنين الخصيبة، فكان الناس يمتارون من عند يوسف، وهو في رتبة العزيز المتقدم، وكان لا يعطي الوارد أكثر من حمل بعير، يسوي بين الناس، فلما ورد إخوته عرفهم يوسف ولم يعرفوه هم، لبعد العهد وتغير سنه، ولم يقع لهم- بسبب ملكه ولسانه القبطي- ظن عليه؛ وروي في بعض القصص: أنه لما عرفهم أراد أن يخبروه بجميع أمرهم، فباحثهم بأن قال لهم- بترجمان- أظنكم جواسيس، فاحتاجوا- حينئذ- إلى التعريف بأنفسهم فقالوا: نحن أبناء رجل صديق، وكنا اثني عشر، ذهب واحد منا في البرية، وبقي أصغرنا عند أبينا، وجئنا نحن للميرة، وسقنا بعير الباقي منا، وكانوا عشرة، ولهم أحد عشرة بعيراً؛ فقال لهم يوسف: ولم تخلف أخوكم؟ قالوا: لمحبة أبينا فيه، قال: فأتوني بهذا الأخ حتى أعلم حقيقة قولكم وأرى لِمَ أحبه أبوكم أكثر منكم إن كنتم صادقين؟ وروي في القصص أنهم وردوا مصر، واستأذنوا على العزيز وانتسبوا في الاستئذان، فعرفهم، وأمر بإنزالهم، وأدخلهم في ثاني يوم على هيئة عظيمة لملكه وأهبة شنيعة؛ وروي أنه كان متلثماً أبداً ستراً لجماله، وأنه كان يأخذ الصواع فينقره، ويفهم من طنينه صدق ما يحدث به أو كذبه؛ فسئلوا عن أخبارهم، فكلما صدقوا قال لهم يوسف: صدقتم، فلما قالوا: وكان لنا أخ أكله الذئب، طن يوسف الصاع وقال: كذبتم، ثم تغير لهم، وقال: أراكم جواسيس، وكلفهم سوق الأخ الباقي ليظهر صدقهم في ذلك، في قصص طويل جاءت الإشارة إليه في القرآن وجيزة.
و الجهاز: ما يحتاج إليه المسافر من زاد ومتاع وكل ما يحمل، وكذلك جهاز العروس وجهاز الميت.
وقول يوسف عليه السلام: {ألا ترون أني أوفى الكيل} الآية، يرغبهم في نفسهم آخراً، ويؤنسهم ويستميلهم. و{المنزلين} يعني المضيفين في قطره ووقته، والجهاز- المشار إليه- الطعام الذي كان حمله لهم، ثم توعدهم إن لم يجيئوا بالأخ بأنه لا كيل لهم عنده في المستأنف، وأمرهم ألا يقربوا له بلداً ولا طاعة، و{لا تقربون} نهي لفظاً ومعنى، ويجوز أن يكون لفظه الخبر ومعناه النهي، وتحذف إحدى النونين كما قرئ {فبم تبشرونِ} [الحجر: 54]- بكسر النون- وهذا خبر لا غير. وخلط النحاس في هذا الموضع؛ وقال مالك رحمه الله: هذه الآية وما يليها تقتضي أن كيل الطعام على البائع، وكذلك هي الرواية في التولية والشركة: أنها بمنزلة البيع، والرواية في القرض: أن الكيل على المستقرض.
وروي أنه حبس منهم شمعون رهينة حتى يجيئوه ببنيامين،- قاله السدي- وروي: أنه لم يحبس منهم أحداً. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كان يوسف يلقي حصاة في إناء فضة مخوص بالذهب فيطن فيقول لهم: إن هذا الإناء يخبرني أن لكم أباً شيخاً».
قال القاضي أبو محمد: كأنها حيلة وإيهام لهم، وروي: أن ذلك الإناء به كان يكيل الطعام إظهاراً لعزته بحسب غلائه في تلك المدة، وروي: أن يوسف استوفى في تلك السنين أموال الناس، ثم أملاكهم، فمن هناك ليس لأحد في أرض مصر ومزارعها ملك. وظاهر كل ما فعله يوسف معهم أنه بوحي وأمر وإلا فكان بر يعقوب يقتضي أن يبادر إليه ويستدعيه، لكن الله تعالى أعلمه بما يصنع ليكمل أجر يعقوب ومحنته وتتفسر الرؤيا الأولى.


تقدم معنى المراودة أي سنفائل أباه في أن يتركه يأتي معنا إليك، ثم شددوا هذه المقالة بأن التزموها له في قولهم: {وإنا لفاعلون}، وأراد يوسف عليه السلام المبالغة في استمالتهم بأن رد مال كل واحد منهم في رحله بين طعامه، وأمر بذلك فتيانه.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: {لفتيته} وقرأ حمزة والكسائي: {لفتيانه}، واختلف عن عاصم، ففتيان للكثرة- على مراعاة المأمورين- وفتية للقلة- على مراعاة المتناولين وهم الخدمة- ويكون هذا الوصف للحر والعبد. وفي مصحف ابن مسعود: {وقال لفتيانه} وهو يكايلهم.
وقوله {لعلهم يعرفونها} يريد: لعلهم يعرفون لها يداً، أو تكرمة يرون حقها، فيرغبون فينا، فلعلهم يرجعون حينئذ وأما ميز البضاعة فلا يقال فيه: لعل، وقيل: قصد يوسف برد البضاعة أن يتحرجوا من أخذ الطعام بلا ثمن فيرجعوا لدفع الثمن، وهذا ضعيف من وجوه، وسرورهم بالبضاعة وقولهم: {هذه بضاعتنا ردت إلينا} [يوسف: 65] يكشف أن يوسف لم يقصد هذا وإنما قصد أن يستميلهم ويصلهم، فيرغبهم في نفسه كالذي كان؛ وخص البضاعة بعينها- دون أن يعطيهم غيرها من الأموال- لأنها أوقع في نفوسهم، إذ يعرفون حلها، وماله هو إنما كان عندهم مالاً مجهول الحال، غايته أن يستجاز على نحو استجازتهم قبول الميرة؛ ويظهر أن ما فعل يوسف من صلتهم، وجبرهم في تلك الشدة كان واجباً عليه، إذ هو ملك عدل وهم أهل إيمان ونبوة؛ وقيل: علم عدم البضاعة والدراهم عند أبيه، فرد البضاعة إليهم لئلا يمنعهم العدم من الانصراف إليه؛ وقيل: جعلها توطئة لجعل السقاية في رحل أخيه بعد ذلك، ليبين أنه لم يسرق لمن يتأمل القصة.
قال القاضي أبو محمد: والظاهر من القصة أنه إنما أراد الاستئلاف وصلة الرحم.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: {نكتل} بالنون على مراعاة {منع منا} ويقويه: {ونمير أهلنا ونزداد} [يوسف: 65] وقرأ حمزة والكسائي: {يكتل} بالياء، أي يكتل يامين كما اكتلنا نحن.
وأصل {نكتل}، وزنه نفتعل. وقوله {منع منا} ظاهره أنهم أشاروا إلى قوله: {فلا كيل لكم عندي} [يوسف: 60] فهو خوف في المستأنف؛ وقيل: أشاروا إلى بعير بنيامين- الذي لم يمتر- والأول أرجح. ثم تضمنوا له حفظه وحيطته.


قوله {هل} توقيف وتقرير، وتألم يعقوب عليه السلام من فرقة بنيامين، ولم يصرح بمنعهم من حمله لما رأى في ذلك من المصلحة، لكنه أعلمهم بقلة طمأنينته إليهم. وأنه يخاف عليه من كيدهم، ولكن ظاهر أمرهم أنهم كانوا نبئوا وانتقلت حالهم، فلم يخف كمثل ما خاف على يوسف من قبل، لكن أعلم بأن في نفسه شيئاً، ثم استسلم لله تعالى، بخلاف عبارته في قصة يوسف.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم- في رواية أبي بكر- {خير حفظاً} وقرأ حمزة والكسائي وحفص- عن عاصم- {خير حافظاً} ونصب ذلك- في القراءتين- على التمييز. وقال الزجاج: يجوز أن ينصب {حافظاً} على الحال، وضعف ذلك أبو علي الفارسي، لأنها حال لا بد للكلام والمعنى منها، وذلك بخلاف شرط الحال، وإنما المعنى أن حافظ الله خير حافظكم. ومن قرأ {حفظاً} فهو مع قولهم: {ونحفظ أخانا}. ومن قرأ {حافظاً} فهو مع قولهم {وإنا له لحافظون} [يوسف: 63] فاستسلم يعقوب عليه السلام لله وتوكل عليه. قال أبو عمرو الداني: قرأ ابن مسعود: {فالله خير حافظ وهو خير الحافظين}.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا بعد.
وقوله: {فتحوا متاعهم} سمى المشدود المربوط بحملته متاعاً، فلذلك حسن الفتح فيه، قرأ جمهور الناس: {رُدت} بضم الراء، على اللغة الفاشية عن العرب، وتليها لغة من يشم، وتليها لغة من يكسر. وقرأ علقمة ويحيى بن وثاب {رِدت} بكسر الراء على لغة من يكسر- وهي في بني ضبة-، قال أبو الفتح: وأما المعتل- نحو قيل وبيع- فالفاشي فيه الكسر، ثم الإشمام، ثم الضم، فيقولون: قول وبوع، وأنشد ثعلب: [الرجز]
........ وقول لا أهل له ولا مال ***
قال الزجاج: من قرأ: {رِدت} بكسر الراء- جعلها منقولة من الدال- كما فعل في قيل وبيع- لتدل على أن أصل الدال الكسرة.
وقوله {ما نبغي} يحتمل أن تكون {ما} استفهاماً، قاله قتادة. و{نبغي} من البغية، أي ما نطلب بعد هذه التكرمة؟ هذا مالنا رد إلينا مع ميرتنا. قال الزجّاج: ويحتمل أن تكون {ما} نافية، أي ما بقي لنا ما نطلب، ويحتمل أيضاً أن تكون نافية، و{نبغي} من البغي، أي ما تعدينا فكذبنا على هذا الملك ولا في وصف إجماله وإكرامه هذه البضاعة مردودة.
وقرأ أبو حيوة {ما تبغي}- بالتاء، على مخاطبة يعقوب، وهي بمعنى: ما تريد وما تطلب؟ قال المهدوي: وروتها عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأت فرقة: {ونَمير} بفتح النون- من مار يمير: إذا جلب الخير، ومن ذلك قول الشاعر: [الوافر]
بعثتك مائراً فمكثت حولاً *** متى يأتي غياثك من تغيث
وقرأت عائشة رضي الله عنها: {ونُمير} بضم النون- وهي من قراءة أبي عبد الرحمن السلمي- وعلى هذا يقال: مار وأمار بمعنى....؟
وقولهم: {ونزداد كيل بعير} يريدون بعير أخيهم إذ كان يوسف إنما حمل لهم عشرة أبعرة ولم يحمل الحادي عشر لغيب صاحبه: وقال مجاهد: {كيل بعير} أراد كيل حمار. قال: وبعض العرب يقول للحمار بعير.
قال القاضي أبو محمد: وهذا شاذ.
وقولهم: {ذلك كيل يسير} تقرير بغير ألف، أي أذلك كيل يسير في مثل هذا العام فيهمل أمره؟ وقيل: معناه: {يسير} على يوسف أن يعطيه. وقال الحسن البصري: وقد كان يوسف وعدهم أن يزيدهم حمل بعير بغير ثمن؛ وقال السدي: معنى {ذلك كيل يسير} أي سريع لا نحبس فيه ولا نمطل.
قال القاضي أبو محمد: فكأنهم أنسوه على هذا بقرب الأوبة.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11